عرب لندن

احتشد المئات من أبناء الجالية الفلسطينية وداعمي القضية الفلسطينية في العاصمة البريطانية لندن، للمشاركة في الفعالية المركزية السنوية التي نظّمتها رابطة الجالية الفلسطينية تحت شعار "ذاكرة تُخلَّد.. وإرث يُجدَّد"، بمناسبة الذكرى الـ77 للنكبة الفلسطينية، وذلك في إطار جهودها المستمرة لتعزيز الرواية التاريخية الفلسطينية بعيدًا عن الأطر الرسمية المحدودة.
 

جلسات حوارية وسرد تاريخي

شهدت الفعالية مداخلة قوية للمتحدث الرئيسي، البروفيسور نور مصالحة، المؤرخ والأكاديمي الفلسطيني البارز، حيث قدّم سردًا تاريخيًا شاملاً للنكبة، مؤكدًا أنها لم تكن حدثًا عابرًا بل عملية تطهير عرقي ممنهجة، وربطها بواقع الإبادة الجماعية الجارية في غزة، قائلًا: “ما يحدث اليوم في غزة هو استمرار لنفس المشروع الاستعماري، والذاكرة الفلسطينية تقاوم النسيان.”

كما ألقى شعوان جبارين، مدير مؤسسة "الحق"، كلمةً استعرض فيها آخر تطورات الدعوى القضائية ضد الحكومة البريطانية، التي تُتّهم بـ"المشاركة في الإبادة" عبر دعمها السياسي والعسكري لإسرائيل، مشيرًا إلى أن الحملات القانونية والشعبية ستتسع في الفترة المقبلة.

فن المقاومة وتوثيق الذاكرة

تميّزت الفعالية بعرض مشروع "طرّزوا أسماءهم"، الذي أطلقته الناشطة ماري إيفر مع عشرات النساء البريطانيات، حيث تم عرض أقمشة مطرّزة تحمل أسماء آلاف شهداء غزة، كرسالة إنسانية تخلّد ضحايا الحرب.

كما قدّم الفنان التشكيلي محمد الحاج، المقيم في غزة، معرضًا للوحات فنية وثّق فيها معاناة النزوح والتهجير والإبادة في غزة، نالت استحسان الحضور ودعمهم. وعرضت الناشطة لبنى سباتين من مجموعة "غرينتش فلسطين" أبرز المبادرات الشبابية لدعم القضية فلسطينيًا وبريطانيًا.

أطفال فلسطين.. حاملو المشعل

وفي فقرة مميزة، عرض أطفال وصبايا الجالية الفلسطينية أسماء القرى والبلدات الفلسطينية المدمّرة منذ النكبة، مؤكدين أن "الأجيال الجديدة قد تسامح، لكنها لن تنسى"، فيما استقبل الحضور بحفاوة أطفال غزة المرضى وأمهاتهم الذين وصلوا حديثًا لتلقي العلاج في بريطانيا.

وأكّد الدكتور نهاد خنفر، رئيس الرابطة، أن "الجالية ستكون عونًا وسندًا دائمًا لهم طوال رحلة العلاج"، معربًا عن اعتقاده بأن "أطفال غزة هم رمز الأمل، وأنها ستنهض من تحت الركام".
 

توأمة نابلس وبرينت وإحياء التراث

وفي سياق متصل، بارك الحضور إعلان توأمة مدينة نابلس مع بلدية برينت في لندن كخطوة عملية لتعزيز التضامن مع الشعب الفلسطيني، حيث أكّد الدكتور خنفر على رعاية الجالية الكاملة لمشروع التوأمة، مع التزام رابطة الجالية بتقديم الدعم الكامل للفريق القائم على هذه العملية.

واختُتمت الفعالية بفقرة فنية قدّمتها الفنانة الفلسطينية لين الفقيه القادمة من الأردن، حيث غنّت أغانٍ وطنية فلسطينية تفاعل معها الجمهور، إلى جانب معرض للكتب والمنتجات الفلسطينية، أبرزها إصدارات البروفيسور مصالحة، خاصة كتابه الأخير "فلسطين: أربعة آلاف عام من التاريخ"، الذي وقّع نسخًا منه للحضور.

كما تم عرض فيلم وثائقي تحدّث عن الاقتلاع والإخفاء المنهجي لقرية لوبيا أثناء النكبة، وقد لقي تفاعلًا كبيرًا من جمهور الحاضرين.

هدف الفعالية: تعزيز الوعي بعيدًا عن السياسة الرسمية

يُذكر أن رابطة الجالية الفلسطينية تنظّم هذه الفعالية سنويًا بهدف تعميق الوعي الشعبي بالرواية الفلسطينية، بعيدًا عن البروتوكولات الرسمية التي تسعى لحصر إحياء ذكرى النكبة في إطار بروتوكولي مغلق وجامد يركّز على الشكل دون المضمون، ولا يخاطب الأجيال الفلسطينية الجديدة المولودة في بريطانيا ومناصريها.

وقد أكّد الدكتور خنفر ذلك قائلًا: "نريد للأجيال الجديدة أن تعرف تاريخها كاملًا، وأن تبقى فلسطين حيّة في الضمير العالمي، بعيدًا عن تنميطها وحصرها في بعض الكلمات والخطابات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا تخرج من بين جدران الغرف التي قيلت فيها."

ودعا الدكتور خنفر إلى تنويع الوسائل والأساليب والمناهج التي تخلّد ذكرى النكبة، وعدم تحويلها إلى مجرد خطابات رسمية عابرة ينتهي مفعولها بانتهاء الكلمة، حيث قال: "إحياء ذكرى النكبة بحاجة إلى أفعال كبيرة، لا أفواه كبيرة."


 

 

التالي حلقة خاصة من "بريطانيا اليوم" لمناقشة مقترح تمديد فترة الإقامة الدائمة إلى 10 سنوات