عرب لندن
تدرس الحكومة الصينية رفع العقوبات التي فرضتها على عدد من نواب البرلمان البريطاني في عام 2021، في أحدث مؤشر على تحسن العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة.
وبحسب مصدرين حكوميين بريطانيين مطلعين على المحادثات، فإن بكين تُراجع العقوبات التي فرضتها قبل أربع سنوات ردًا على ما وصفته بـ"الأكاذيب والمعلومات المضللة" بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة.
وفي تعليق رسمي، قال متحدث باسم السفارة الصينية في لندن: “لطالما أولت الصين أهمية لتطوير العلاقات مع المملكة المتحدة. والعلاقات الصينية-البريطانية تُظهر حاليًا زخمًا إيجابيًا”.
وأضاف: “إن التبادلات والحوار على جميع المستويات وفي مختلف المجالات بين البلدين تسهم في تعزيز الفهم والثقة المتبادلين، وتدعم التطور المستمر للعلاقات الثنائية والتعاون العملي بما يعود بالنفع على شعبي البلدين”.
ويأتي هذا التطور بعد أسبوع شهد زيارات رفيعة المستوى لعدد من كبار المسؤولين الصينيين إلى لندن، حيث أجروا محادثات مع نظرائهم في الحكومة البريطانية. فقد زار كل من نائب رئيس الوزراء الصيني "خه ليفنغ" ووزير التجارة "وانغ ون تاو" لندن لإجراء محادثات تجارية مع الجانب الأمريكي، كما التقى "خه" بوزيرة المالية البريطانية رايتشل ريفز، بينما أجرى "وانغ" محادثات مع وزير الأعمال والتجارة البريطاني جوناثان رينولدز.
كما قام "ليو جيان تشاو"، أحد كبار دبلوماسيي الحزب الشيوعي الصيني ورئيس الدائرة الدولية في الحزب، بزيارة إلى المملكة المتحدة استمرت ثلاثة أيام، التقى خلالها وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، ومستشار الأمن القومي جوناثان باول. ولم تُعلن الحكومة البريطانية عن أي من هذه الاجتماعات.
وشارك "ليو" أيضًا في فعالية جمعت نوابًا بريطانيين ونُظّمت من قبل "المركز البريطاني-الصيني"، وهو مؤسسة شبه حكومية، حيث طُرح ملف العقوبات الصينية على نواب البرلمان البريطاني مرارًا. وقد واجهت الزيارة انتقادات نظرًا لدور "ليو" في حملات القمع التي تنفذها الصين ضد مواطنيها في الخارج.
ولا يُعرف بعد ما إذا كانت بكين ستقوم برفع جميع العقوبات التي فرضتها في 2021، أم أنها ستكتفي برفعها عن بعض الأفراد فقط. وكان من بين من فُرضت عليهم العقوبات تسعة مواطنين بريطانيين، من بينهم خمسة نواب محافظين وعضوان من مجلس اللوردات، استُهدفوا بسبب تسليطهم الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان ضد أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ شمال غرب الصين.
وجاءت هذه العقوبات الصينية كرد على العقوبات التي فرضتها بريطانيا على مسؤولين صينيين على خلفية تلك الانتهاكات. وقد أكد مسؤولون بريطانيون أن لا نية لرفع تلك العقوبات.
وكان من بين النواب الخمسة الذين شملتهم العقوبات: زعيم حزب المحافظين السابق إيان دنكان سميث، وتوم توغنهات، ونسرات غني، ونيل أوبراين، وتيم لوتون (الذي تنحى في الصيف الماضي). أما اللوردان فهما ديفيد ألتون (مستقل) وبارونة هيلينا كينيدي (حزب العمال). وينتمي عدد منهم إلى "التحالف البرلماني الدولي بشأن الصين".
كما شملت العقوبات الباحثة "جو سميث فينلي" من جامعة نيوكاسل، التي ركزت أبحاثها على شؤون الإيغور، إضافة إلى المحامي "جيفري نايس KC"، الذي ترأس "محكمة الإيغور" التي حققت في انتهاكات حقوق الإنسان ضدهم.
وتقضي العقوبات الصينية بحظر دخول المعنيين إلى الصين وهونغ كونغ وماكاو، وتجميد أي ممتلكات لهم داخل البلاد، ومنع المواطنين والمؤسسات الصينية من التعامل معهم تجاريًا.
وفي خطوة مشابهة، رفعت الصين في أبريل الماضي عقوباتها عن خمسة نواب في البرلمان الأوروبي وعن اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان، وهي عقوبات كانت قد فرضتها أيضًا في 2021 ردًا على عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي. وتندرج هذه الخطوة ضمن حملة دبلوماسية تهدف إلى تحسين العلاقات مع أوروبا وإحياء المفاوضات التجارية، خاصة بعد تداعيات سياسات الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب.
ورغم ذلك، لا توجد مؤشرات على وجود مفاوضات لاتفاقية تجارية بين لندن وبكين. لكن الصين تنتظر قرارًا حكوميًا بريطانيًا بشأن خطتها المثيرة للجدل لبناء "سوبر سفارة" بالقرب من برج لندن، وهي خطة يُتوقع أن يُحسم أمرها خلال الصيف، وسط مخاوف أمنية أثارتها الحكومة الأمريكية.
وفي هذا السياق، يخطط مسؤولون بريطانيون لتنظيم زيارة للوزير جوناثان رينولدز إلى بكين في وقت لاحق من هذا العام لاستئناف الحوار التجاري مع الصين، كما يجري التحضير لاحتمال قيام رئيس الوزراء كير ستارمر بزيارة ثنائية إلى الصين في الخريف المقبل.
يُذكر أن حزب العمال كان قد اتخذ موقفًا أكثر تشددًا تجاه الانتهاكات في شينجيانغ حين كان في المعارضة، متعهدًا بالاعتراف بها كـ"إبادة جماعية"، إلا أنه خفّف موقفه بعد وصوله إلى الحكم، في إطار سعيه لبناء علاقات اقتصادية أوثق مع الصين.
وخلال زيارته إلى لندن الأسبوع الماضي، التقى "ليو" أيضًا برئيس الوزراء الأسبق توني بلير، الذي من المتوقع أن يزور الصين في وقت لاحق هذا العام، ويواصل تقديم المشورة غير الرسمية لشخصيات بريطانية وأمريكية بارزة في ملفات السياسة الخارجية.