عرب لندن
حذر وزراء بريطانيون من أن تهديد دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية قد يشكّل خطرًا وجوديًا على صناعة السينما البريطانية، التي تُقدّر بمليارات الجنيهات. وقد تعرضت الحكومة لضغوط فورية لإدراج هذه القضية على رأس أولويات المحادثات التجارية مع البيت الأبيض.
وذكرت مصادر لصحيفة "الغارديان" The Guardian أن مسؤولين حكوميين بريطانيين سيعقدون اجتماعًا قريبًا مع شخصيات بارزة من قطاع الإنتاج السينمائي، لمناقشة تهديدات ترامب، التي جاءت ضمن وعوده بإعادة هوليوود إلى "عصرها الذهبي".
وفي خطوة استثنائية، أعلن الرئيس الأمريكي عزمه فرض رسوم جمركية على جميع الأفلام "المنتجة في الخارج"، معتبرًا أن الصناعة السينمائية الأمريكية تواجه "موتًا سريعًا" بسبب الحوافز المقدّمة في دول أخرى، في إشارة مباشرة إلى دول مثل المملكة المتحدة التي توفر إعفاءات ضريبية سخية لشركات الإنتاج.
وكتب ترامب على منصته "تروث سوشيال" Truth Social أن هذه المسألة تُعد "تهديدًا للأمن القومي"، معلنًا توجيهاته لوزارة التجارة والممثل التجاري الأمريكي بالشروع في فرض الرسوم الجمركية.
وأثار هذا التصريح قلقًا واسعًا في المملكة المتحدة، التي تُعد وجهة رئيسية لإنتاج أفلام هوليوود، من بينها "باربي"، وسلسلة “Mission Impossible”. ويُنتظر أن يُصوَّر جزء جديد من هذه السلسلة، بعنوان "ستارفايتر"، في بريطانيا خلال الأشهر المقبلة.
وصرحت فيليبا تشايلدز، رئيسة نقابة الصناعات الإبداعية "بيكتو"، بأن هذه الرسوم قد تُشكّل "ضربة قاضية" لقطاع لا يزال في طور التعافي بعد جائحة كوفيد والتباطؤ الاقتصادي، مضيفة أن عشرات الآلاف من العاملين المهرة في المملكة المتحدة قد يواجهون تداعيات كارثية.
ودعت الحكومة إلى التحرك السريع لحماية هذا القطاع الحيوي، الذي يُسهم بشكل مباشر في دعم الاقتصاد الوطني. وعبّر أحد كبار المسؤولين في القطاع الإبداعي البريطاني عن قلقه قائلًا: "إذا طُبقت هذه الرسوم، فقد تُدمر صناعة السينما البريطانية بالكامل".
وبلغ الإنفاق على إنتاج الأفلام الروائية الدولية في المملكة المتحدة العام الماضي 1.9 مليار جنيه إسترليني، فيما وصلت عائدات الإنتاج التلفزيوني عالي الجودة إلى 2.8 مليار جنيه، في حين سجل الاستثمار الأمريكي في السينما البريطانية ارتفاعًا بنسبة 83% مقارنة بالعام السابق.
وأبدى أدريان ووتون، الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام البريطانية، قلقه من تصريحات ترامب، لكنه دعا إلى انتظار تفاصيل أوضح حول آلية التنفيذ، مشددًا على عمق العلاقات السينمائية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وأكد أن اجتماعات ستُعقد مع الحكومة ومجموعة السياسات الصناعية خلال الأيام المقبلة لمناقشة الأمر.
ودعت كارولين دينيج، رئيسة لجنة الثقافة والإعلام والرياضة في البرلمان البريطاني، حكومة كير ستارمر إلى إعطاء أولوية لهذه القضية في مفاوضاتها مع واشنطن، قائلة إن التحذير الذي أصدرته اللجنة سابقًا بشأن مكانة بريطانيا كـ"هوليوود أوروبا" أصبح أكثر واقعية بعد إعلان ترامب.
وأكد جيمس فريث، عضو حزب العمال في اللجنة، أن أي رسوم من هذا النوع ستكون مدمرة للوظائف والإبداع في بريطانيا، وستؤثر أيضًا على الاستوديوهات والجمهور الأمريكي الذي يعتمد على الكفاءات والخبرات البريطانية. وقال: "من مصلحة الجميع حماية هذه الشراكة الراسخة".
هذا وحذّر خبراء في الصناعة من أن تطبيق الرسوم الجمركية على الأفلام المنتجة في الخارج قد يعود بنتائج عكسية على الاستوديوهات الأمريكية نفسها، ويؤدي إلى تراجع في الإنتاج وفرص العمل. وأفاد البيت الأبيض أن القرار النهائي لم يُتخذ بعد، مؤكدًا أن جميع الخيارات لا تزال قيد الدراسة لمعالجة مخاوف ترامب بشأن تراجع الإنتاج المحلي في هوليوود.
وفي الولايات المتحدة، يواجه ترامب معارضة داخلية من شخصيات بارزة، من بينهم حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم، الذي أشار مكتبه إلى أن الرئيس لا يملك الصلاحية الدستورية لفرض مثل هذه الرسوم دون موافقة الكونغرس.
ولم يكن تصريح ترامب مفاجئًا تمامًا للمراقبين، خاصة في ظل مواقفه السابقة الداعية إلى دعم هوليوود، حيث عيّن قبل تنصيبه نجومًا مثل سيلفستر ستالون وميل جيبسون سفراء لإعادة الإنتاج إلى داخل البلاد. وتشير بيانات منظمة "فيلم إل إيه" إلى أن إنتاج الأفلام والتلفزيون في لوس أنجلوس تراجع بنحو 40% خلال العقد الماضي.
وقد تكون تهديدات ترامب ردًا على قرار الصين الأخير بخفض عدد الأفلام الأمريكية المستوردة، ردًا على الرسوم الجمركية الأمريكية. وعلّق ستيفن غالاوي، المحرر السابق لمجلة هوليوود ريبورتر، بأن الصناعة الأمريكية تمر بأزمة عميقة، مشيرًا إلى أن الإعفاءات الضريبية الأجنبية والارتفاع الحاد في تكاليف المعيشة والتصوير في لوس أنجلوس جعلت الإنتاج الخارجي خيارًا أكثر جدوى.
واعتبر غالاوي أن رغبة ترامب في "إعادة هوليوود إلى عصرها الذهبي" تعكس رؤية رومانسية غير واقعية، مضيفًا أن التحولات التكنولوجية والاقتصادية جعلت من المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
وقالت الحكومة البريطانية، في بيان لها إن المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة لا تزال جارية، مؤكدة أنها لن تُعلّق على تفاصيل هذه المحادثات أو تحدد جدولًا زمنيًا حرصًا على المصلحة الوطنية. وأكدت استمرارها في اتباع نهج هادئ ومنهجي يهدف إلى تخفيف الضغط على الشركات والمستهلكين في المملكة المتحدة.